الجمعة، يوليو 23، 2010

البحث عن الحقيقه

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : حدثني سلمان الفارسي – من فيه –
قال : كنت رجلا فارسيا من أهل ( أصبهان ) من أهل قرية يقال لها : ( جَي ) .

وكان أبي دهقان ( زعيم ) قريته ، وكنت أَحَبَّ خلق الله إليه ، فلم يزل حبه إياي حتى حبسني في بيته كم تحبس الجارية .

واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار ( خادمها ) الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة .
قال : وكانت لأبي ضيعة عظيمة ، فشغل في بنيان له يوما .

فقال لي : يا بني ! إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي ، فاذهب إليها فاطلعها .
وأمرني فيها ببعض ما يريد ، ثم قال لي : ولا تحتبس عني ؛ فإنك إن احتبست عني كنت أهم إلي من ضيعتي ، وشغلتني عن كل شيء من أمري.

قال : فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها .
فمررت بكنيسة من كنائس النصارى ، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون .
وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته .

فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون ، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم .
وقلت : هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه .

فوالله ما برحتهم حتى غربت الشمس ، وتركت ضيعة أبي فلم آتها .
ثم قلت لهم : أين أصل هذا الدين ؟
قالوا : بالشام .

فرجعت إلى أبي ، وقد بعث في طلبي ، وشغلته عن أمره كله .
فلما جئت قال : أي بني ! أين كنت ؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟
قال : قلت : يا أبت ! مررت بأناس يصلون في كنيسة لهم ، فأعجبني ما رأيت من دينهم ، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس .

قال : أي بني ! ليس في ذلك الدين خير ، دينك ودين آبائك خير منه .
قال : قلت : كلا والله ؛ إنه لخير من ديننا .
قال : فخافني ، فجعل في رجلي قيدا ، ثم حبسني في بيته .

قال : وبعثت إلى النصارى ، فقلت لهم : إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم
فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى ، فأخبروني بهم .
فقلت : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني .

قال : فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم ، فألقيت الحديد من رجلي ، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام .
فلما قدمتها قلت : من أفضل هذا الدين علما ؟
قالوا : الأسقف في الكنيسة .
قال : فجئته .
فقلت له : إني قد رغبت في هذا الدين ، وأحببت أن أكون معك ، وأخدمك في كنيستك وأتعلم منك ، وأصلي معك .
قال : أدخل .
فدخلت معه ، فكان رجل سوء ، يأمرهم بالصدقة ، ويرغبهم فيها ؛ فإذا جمعوا له شيئا كنزه لنفسه ، ولم يعطه للمساكين ، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق .

قال : وأبغضته بغضا شديدا ؛ لما رأيته يصنع .

ثم مات ، واجتمعت له النصارى ليدفنوه .
فقلت لهم : إن هذا كان رجل سوء ؛ يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها ، فإذا جئتموه بها كنزها لنفسه ، ولم يعط المساكين منها شيئا .

قال : فقالوا لي : وما أعلمك بذلك ؟
قال : فقلت لهم : أنا أدلكم على كنزه .
قالوا : فدلنا .
قال : فأريتهم موضعه ، فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا .
فلما رأوها قالوا : لا ندفنه أبدا .
قال : فصلبوه ورموه بالحجارة .

وجاؤوا برجل آخر فوضعوه مكانه .
قال سلمان : فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه ، وأزهد في الدنيا ، ولا أرغب في الآخرة ، ولا أدأب ليلا ونهارا منه .
قال : فأحببته حبا لم أحب شيئا قبله مثله .

قال : فأقمت معه زمانا ، ثم حضرته الوفاة .
فقلت له : إني قد كنت معك ، وأحببتك حبا لم أحبه شيئا قبلك ، وقد حضر ما ترى من أمر الله تعالى ، فإلى من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟
قال : أي بني ! والله ؛ ما أعلم اليوم أحدا على ما كنت عليه ، لقد هلك الناس وبدلوا ، وتركوا أكثر ما كانوا عليه ؛ إلا رجلا بـ ( الموصل ) وهو فلان ، وهو على ما كنت عليه ، فالحق به .

قال : فلما مات وغيب ، لحقت بصاحب ( الموصل ) .
فقلت : يا فلان ! إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك ، وأخبرني أنك على أمره .
فقال لي : أقم عندي .
فأقمت عنده ، فوجدته خير رجل على أمر صاحبه ، فلم يلبث أن مات ، فلما حضرته الوفاة .

قلت له : يا فلان ! إن فلانا أوصى بي إليك ، وأمرني باللحوق بك ، وقد حضرك من أمر الله ما ترى ، فإلى من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟
قال : يا بني ! والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بـ ( نصيبين ) وهو فلان ، فالحق به .

فلما مات وغيب ، لحقت بصاحب ( نصيبين ) فأخبرته خبري ، وما أمرني به صاحباي .
فقال : أقم عندي .
فأقمت عنده ، فوجدته على أمر صاحبيه ، فأقمت مع خير رجل ، فوالله ؛ ما لبث أن نزل به الموت .
فلما حُضر قلت له : يا فلان ! إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك ، فإلى من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟
قال : يا بني ! والله ؛ ما أعلم بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجل بـ ( عمورية ) من أرض الروم ؛ فإنه على مثل ما نحن عليه ، فإن أحببت فائته ؛ فإنه على أمرنا .

فلما مات وغيب لحقت بصاحب ( عمورية ) فأخبرته خبري .
فقال : أقم عندي .
فأقمت عند خير رجل على هدي أصحابه .
قال : واكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة .
ثم نزل به أمر الله .
فلما حُضر قلت له : يا فلان ! إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إلى فلان ، ثم أوصى بي إليك ، فإلى من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟
قال : أي بني ! والله ؛ ما أعلم أصبح أحد على مثل ما كنا عليه من الناس آمرك أن تأتيه .
ولكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم ، يخرج بأرض العرب ، مهاجره إلى بين حرتين ، بينهما نخل ، به علامات لا تخفى يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة ، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فأفعل .

قال : ثم مات وغيب ، ومكثت بـ ( عمورية ) ما شاء الله أن أمكث .

ثم مر بي نفر من ( كلب ) تجار .
فقلت لهم : احملوني إلى أرض العرب ، وأعطيكم بقراتي هذه ، وغنيمتي هذه .
قالوا : نعم .
فأعطيتموها وحملوني معهم ، حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني ؛ فباعوني من رجل يهودي عبدا ، فكنت عنده ، ورأيت النخل ، فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ، ولم يحق في نفسي .

فبينا أنا عنده ، إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من ( المدينة ) فابتاعني منه ، فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها ، فعرفتها بصفة صاحبي لها ، فأقمت بها .

وبُعث رسول الله ? ، فأقام بـ ( مكة ) ما أقام ، ولا أسمع له بذكر مما أنا فيه من شغل الرق ، ثم هاجر إلى ( المدينة ) .

فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل ، وسيدي جالس تحتي ، إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه .
فقال : يا فلان قاتل الله بني قيلة ( الأنصار ) والله إنهم لمجتمعون الآن بـ ( بقباء ) على رجل قدم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي .

قال سلمان : فلما سمعتها أخذتني الرعدة ، حتى ظننت أني ساقط على سيدي .
فنزلت عن النخلة ، فجعلت أقول لابن عمه : ماذا تقول ؟ ماذا تقول ؟

قال : فغضب سيدي ، فلكمني لكمة شديدة .
ثم قال : مالك ولهذا ؟ أقبل على عملك .

قال : فقلت : لا شيء إنما أردت أن استثبته عما قال .
قال : وكان عندي شيء جمعته ، فلما أمسيت أخذته ، ثم ذهبت به إلى رسول الله ? وهو بـ ( قباء ) فدخلت عليه .
فقلت له : إنه قد بلغني أنك رجل صالح ، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة ، وهذا شيء كان عندي للصدقة ، فرأيتكم أحق به من غيركم .

قال : فقربته إليه .
فقال رسول الله ? : كلوا .
وأمسك يده فلم يأكل .
فقلت في نفسي : هذه واحدة .
ثم انصرفت عنه ، فجمعت شيئا ، وتحول رسول الله - ? - إلى المدينة ،
ثم جئته فقلت له : إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذه هدية أكرمتك بها .
قال : فأكل رسول الله - ? - منها ، وأمر أصحابه فأكلوا معه .
قال : فقلت في نفسي : هاتان ثنتان .

قال : ثم جئت رسول الله - ? - وهو بـ ( بقيع الغرقد ) قد تبع جنازة رجل من أصحابه ، وعليه شملتان ، وهو جالس في أصحابه ، فسلمت عليه ، ثم استدبرته أنظر إلى ظهره ، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ؟
فلما رآني رسول الله - ? - استدبرته ؛ عرف أني أستثبت في شيء وصف لي ، فألقى رداءه عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم فعرفته ، فأكببت عليه أقبله وأبكي .
فقال لي رسول الله - ? - : " تحول "
فتحولت بين يديه ، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس !
فأعجب رسول الله - ? - أن يسمع ذاك أصحابه .

ثم شغل سلمان الرِّق حتى فاته مع رسول الله - ? - ( بدر و أحد )

قال سلمان : ثم قال لي رسول الله - ? - : " كاتب يا سلمان ! "
فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييتها له بالفقير ( بالحفر والغرس ) وأربعين أوقية .
فقال رسول الله - ? - لأصحابه : ( أعينوا أخاكم )
فأعانوني في النخل : الرجل بثلاثين ودية ( فراخ النخل ).
والرجل بعشرين ودية .
والرجل بخمس عشرة ودية .
والرجل بعشرة .
يعين الرجل بقدر ما عنده ، حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية .

فقال لي رسول الله - ? - : ( اذهب يا سلمان ففقر لها ، فإذا فرغت فأتني أكن أنا أضعها بيدي ) .
قال : ففقرت ، وأعانني أصحابي ، حتى إذا فرغت ؛ جئته فأخبرته ، فخرج رسول الله - ? - معي إليها ، فجعلنا نقرب إليه الودي ، ويضعه رسول الله - ? - بيده حتى إذا فرغنا ، فوالذي نفس سلمان بيده ؛ ما ماتت منها ودية واحدة .
فأديت النخل وبقي علي المال .

فأتي رسول الله - ? - بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن .
فقال : ( ما فعل الفارسي المكاتب ؟ ) .
قال : فدعيت له .
قال : ( خذ هذه فأدها مما عليك يا سلمان ! )
قال : قلت : وأين تقع هذه مما علي يا رسول الله ؟
قال : ( خذها ؛ فإن الله سيؤدي بها عنك ).

قال : فأخذتها ، فوزنت لهم منها – والذي نفس سلمان بيده – أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم .
وعتق سلمان ، فشهد ت مع رسول الله - ? - ( الخندق ) حرا ، ثم لم يفتني معه مشهد . ( 1 )

وروى البخاري في ( صحيحه ) من حديث أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي
أنه تداوله بضعة عشر ؛ من رب إلى رب .
أي : من معلم إلى معلم ، ومن مرب إلى مثله . والله أعلم .

( 1 ) إسناده صحيح .

مصدر القصة من كتاب : صحيح السيرة النبوية / الألباني .
عاصم بن ثابت
.
.
.
What Come

هناك تعليق واحد:

ЯậŇ MỗŘỹ يقول...

سلام عليكم و رحمة الله و بركاته

جزاك الله خيراً على الموضوع الرائع

نعم الرجل سلمان فهو كما قيل عنه رجل يبحث عن الحق

هو المشير بحفر الخندق يوم الأحزاب

كان سلمان يتصدق بماله فلا يبقى إلا درهما يعمل به

أما عن وفاته فقيل: دخل عليه سعد بن أبى وقاص فى مرض موته فبكى سلمان , فسأله سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ لقد توفى رسول الله(صلى الله عليه و سلم) و هو عنك راض ٍ , فأجاب سلمان: "و الله ما أبكى جزعاً من الموت و لا حرصاً على الدنيا و لكن رسول الله(صلى الله عليه و سلم) عهد إلينا عهداً , فقال: ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب. و هأنذا حولى هذه الأساود"
قال سعد: فنظرت فلم أر حولى إلا جفنة و مطهره.

رضى الله عن سلمان و رزقنا رؤيته فى جنة الرحمن